خطبة عيد الفطر المبارك بعنوان : “العيد – آدابه وضوابط الفرحة فيه”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 1 من شوال 1438هـ، الموافق 25 يونيو 2017م
خطبة عيد الفطر المبارك بعنوان : “العيد – آدابه وضوابط الفرحة فيه”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 1 من شوال 1438هـ، الموافق 25 يونيو 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
العناصر :
- العيد فرحة .
- حقيقة الفرح الذي أخبر به الرسول صلي الله عليه وسلم .
- العيد فرحة بالمكافأة والجائزة.
- عيد الفطر يوم الجائزة لما يتميز به.
- العيد الحقيقي .
- متي أفرح بالعيد ؟.
الحمد لله رب العالمين.. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين .وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. أما بعد فيا جماعة الإسلام .
العيد فرحة :
أخوة الإيمان والإسلام :
إن عيدكم هذا يوم فرح وسرور وتهان لمن صلحت نيته وقبل صيامه وقيامه وصدقته ..
إن عيدكم هذا يوم من أيام الله المباركة، يوم عيد الفطر، جمعكم اللهُ في صباحه المبارك على طهارة وتقوى، بعد أن أديتم فريضة الصيام بحمد الله وعونه، وها أنتم أولاء تفوزون بجائزة الصيام والقيام والطاعة،والصلح مع الله بالتوبة والعمل الصالح فهنيئًا لكم وتقبل الله طاعتكم.
عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلي الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما،فقال رسول الله: “قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى“،وقوله لأبي بكر رضي الله عنه وقد انتهر جاريتين في بيت عائشة تنشدان الشعر يوم العيد: “يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وإن اليوم عيدنا“.(أبوداود وغيره).
العيد هو الفرحة الحقيقية كما أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم فعن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ:”قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ, وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”(مسلم وأحمد ).
ونحن في صباح هذا اليوم يوم العيد نؤكِّد على كلمة (فرحة)؛ لأنَّ العيد في الإسلام هو اليومُ الذي يعود، ويفرح به المسلمون، وما سمي عيداً إلا لعوده فها هو العيد قد عاد، فينبغي للمسلمين أن يفرحوا؛ لأنَّهم أدَّوْا ما عليهم من طاعة لله ربِّ العالمين.
حقيقة الفرح الذي أخبر به صلي الله عليه وسلم :
أيها السعداء : السؤال الذي نطرحه على مائدة اليوم: يا ترى، ما حقيقة هذا الفرح الذي يُعلِنه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ولأيِّ شيءٍ يكون؟ وبماذا يفرح المسلِم؟ وما هي العوامل التي تجعل المسلِمَ فرحًا مبتهجًا في حياته؟
والجواب على هذا السؤال هو: أنَّنا واثقون بأنَّنا نقتبس فرحَنا من فرح الله تعالى ومِن فرح نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ومِن فرح الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
أما فرحة يوم يفطر: بأن الله أعانه على أن صام هذا الشهر, فإذا دخل شوال, انتهى الصيام وبقي الأجر والغفران، والذي أفطر في رمضان في واحد من شوال يأكل مع الناس، ولكنه تحمل الخيبة والخسران، فالطاعة تمضي مشقتها، ويبقى أجرها، والمعصية تمضي لذتها، ويبقى وزرها، الطاعة تمضي متاعبها ويبقى أجرها، والمعصية تمضي لذتها ويبقى وزرها.
لذلك: المؤمن حينما يأتيه ملك الموت, لكرامته عند الله: يريه الله مقامه في الآخرة فيقول: لم أر شراً قط، قد يكون عانى في الدنيا ما عانى، وقد ساق الله إليه أكثر أنواع البلاء؛ من مرض، ومن فقر، ومن ضيق، ومن شدة، ومن تحمل متاعب، فإذا رأى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط، وهذا الكافر الذي أمضى حياته في المتع الرخيصة وفي اللذائذ، وكان منغمسًا إلى قمة رأسه, نسي المعاصي والآثام حينما يرى مكانه في النار يقول: لم أر خيراً قط، فالطاعة تمضي، والمعصية تمضي، لكن الطاعة تمضي متاعبها، ويبقى أجرها وثوابها، والمعصية تمضي لذتها، ويبقى وزرها وشقاءها.الله عز وجل مكننا بفضله تعالى من صيام هذا الشهر، ومن قيامه، ونرجو الله أن يكون هذا الصيام وهذا القيام مقبولاً عند الله عز وجل، فالعبرة بالقبول، وقبول العمل الصالح عند الله عز وجل له قاعدة.
وأما فرحه عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجرَاً ” (المزمل/20).وقوله تعالى: ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا”(ال عمران/30).، وقوله تعالى: ” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ “(الزلزلة/7).
وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ “، ثُمَّ قَرَأَ” فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”(البخاري ومسلم).
ويُمثِّله مثال واقعي يعيشه كلُّ أحد، حتى يرتسمَ في أذهاننا، ويتمكَّن من قلوبنا، ويبقى ماثلاً في حياتنا.فعن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّه قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم:”لَلَّهُ أفرحُ بتوبة عبدِه من أحدِكم سَقَط على بعيره، وقد أضلَّه في أرْض فلاة”( متفق عليه)، الفلاة: الصحراء الواسعة. وفي رواية لمسلِم: “للهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدِكم كان على راحلته بأرْض فلاة، فانفلتتْ منه وعليها طعامُه وشرابه، فأَيسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، وقد أَيِسَ من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخَذَ بخطامها – الخطام: الحبل الذي يُقاد به البعير – ثم قال مِن شدَّة الفرح: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك! أخطأ من شدَّة الفرح”.
وتذكَّرْ ما قاله الإمام عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما دخل رجلٌ عليه في يوم عيد الفِطر، فوجده يأكل طعامًا خشنًا، فقال له: يا أمير المؤمنين، تأكل طعامًا خشنًا في يوم العيد!! فقال له الإمام عليٌّ – كرم الله وجهه -: اعلمْ يا أخي، أنَّ العيد لِمَن قَبِل الله صومَه، وغفر ذنبَه، ثم قال له: اليوم لنا عيد، وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو عندنا عِيد، وقال الحسن: كل يوم لا يُعصَى الله فيه فهو عيد، وكلُّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذِكْره وشكره فهو له عِيد.
أحبائي في الله:
والأعياد في الإسلام تأتي عقب عبادات كبرى، والفرح الحقيقي في العيد هو فرح بالهداية، فرح بالصلح مع الله، فرح بالإنابة إليه، فرح بالتوبة له، فرح بالسعادة بقربه، كل يوم يمر بغير معصية لله فهو فرحة كبرى، العيد العودة للدين:” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ“(يونس/58).
العيد فرحة بالنعمة:”قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ“(الأعراف/32).
يحتفل المسلمون بعيد الفطر السعيد بعد أن أدوا ركن صيام شهر رمضان فلا أوحش الله منك يا شهر رمضان، يا شهر الصيام والقيام والتراويح، ويا شهر التوبة والغفران، ويا شهر الجود والإحسان..ويا شهر المغفرة والرحمة والعتق من النيران ..
العيد فرحة بالمكافأة وبالجائزة :
أخا الإسلام : نعم فأنت تستحق الجائزة والمكافأة تستحق أن تفرح وتهنأ بنفسك في هذا اليوم العطِر وتقول لها: أنتِ كنتِ من الصائمين والصائمات ومن القائمين والقائمات فذاك يوم فرحتي بقبول صومي إن شاء الله، وبصلة رحمي، والعيد يومٌ أُكثر فيه من العبادات الغائبة وأقيم فيه سنن رسول الله صلي الله عليه وسلم وأُحي ليلة العيد وأصلي في الخلاء، وأزور، وأتزاور، واُتبع رمضان بست من شوال، وأجعل لي بعد رمضان حظًا من العبادة لا إفراط فيها ولا تفريط من تلاوة وقيام وصيام فعبادة رمضان قد غيرتني وأنا الآن في عيد..
عيد الفطر يوم الجائزة لما يتميز به:
أخوة الإيمان والإسلام :
إن عيد الفطر يسمى يوم الجائزة ويوم الجوائز حيث يفوز فيه أقوام ويحرم آخرون لقوله تعالى:” وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ” (الأنعام /132). ، جائزة للمسلمين الذين صاموا شهر رمضان وقاموا لياليه وأكثروا من تلاوة كتاب الله عز وجل، فأكثروا من الدعاء، وأخرجوا زكاة أموالهم وخاصة صدقة الفطر، وحافظوا على صلاة الجماعة في المساجد وحرصوا على دروس العلم والفقه التي ألقاها العلماء والدعاة، وأحيوا ليلة القدر، فهنيئًا للمسلمين جميعًا الذين صاموا شهر رمضان.
قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، “ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، “ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه“.(البخاري ومسلم).
وورد أن الملائكة تنزل في صبيحة يوم عيد الفطر تقف في أبواب الطرق وتنادي يا أمة محمد: اخرجوا إلى رب عظيم يعطي الجزيل.. فيخرج المسلمون لأداء صلاة العيد ويقول الله عز وجل للمسلمين: لقد أرضيتموني ورضيت عنكم؛ اذهبوا مغفورًا لكم.
أما العصاة الذين لم يصوموا شهر رمضان بلا عذر شرعي بل جاهروا في إفطارهم فيصدق فيهم قوله صلي الله عليه وسلم : “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت”(البخاري). العصاة الذين لم يصوموا شهر رمضان واستعبدتهم شهواتهم ليس لهم جائزة يوم العيد، لهم حسرة ولهم عذاب يوم القيامة، نسأل الله عز وجل أن يهديهم ويتوب عليهم..
ويتميز عيد الفطر بأنه آخر يوم يمكن قبله دفع زكاة الفطر الواجبة على المسلمين، ويؤدّي المسلمون في صباح العيد بعد شروق الشمس بثلث ساعة تقريبًا صلاة العيد ويلتقي المسلمون في العيد ويتبادلون التهاني ويزورون أهلهم وأقرباءهم، وهذا ما يعرف بصلة الرحم. كما يزور المسلم أصدقاءه ويستقبل أصحابه وجيرانه، ويعطف على الفقراء.
فالعيد في معناه الإيماني شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضا واطمئنانًا، وتنبلج في علانيته فرحًا وابتهاجًا، وتُسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.
والعيد في معناه الإنساني يومٌ تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبة ورحمة وعدالةٍ من وحي السماء، عُنوانُها الزكاةُ، والإحسانُ، والتوسعة.
يتجلى العيد على الغني المُترف فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائِه متواضعًا للحق وللخلق، ويذكرُ أن كل من حوله إخوانه وأعوانه، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم.
ويتجلى العيد على الفقير المُترب فيطرح همومه، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامهُ، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشةُ العيد آثار الحقد والتبرم من نفسه، وتنهرم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء.
العيد الحقيقي :
إن عيدنا الحقيقي يوم أن نطهر أنفسنا من الذنوب بتوبة صادقة وعودة ربانية إلى تعاليم ديننا.
إن عيدنا الحقيقي يوم أن تحرر مقدساتنا وتكون أنت وأنتِ ممن تربوا أو ربوا جيل النصر المنشود، أو تكون أنت أيها الشاب ممن يرفعون لواء الإسلام على سطح المسجد الأقصى بعد أن رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً “وبعد أن انكسرت شوكة الهجمة التتارية الصليبية الثانية التي يتعرض لها العرب والمسلمين اليوم .
العيد الحقيقي يوم أن نرى الأمة تسير على نهج المصطفى وتعود إلى هديه صلي الله عليه وسلم .عيدنا يوم أن نلقى ربنا وهو عنا راضٍ ونحظى بلذة النظر إلى وجهه تعالى وذلك هو الفوز المبين. قال تعالى “فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ” (آل عمران/185(.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين، وأن يختم لنا بخير وأن يجمعنا على خير، ثم صلوا وسلموا على خير الورى، فقد أمركم بذلك ربكم تبارك وتعالى :”إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ” (الأحزاب/56).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر ..اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فيا أيها الأحباب .
متي أفرح بالعيد ؟عندما أشعر بالقبول وإن من أعظم علامات قبول العمل في رمضان، التوبة النصوح من جميع الذنوب الماضية والعزيمة الصادقة على الاستقامة على الطاعة في الأيام القادمة، فما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها.
يقول الله تعالى:”وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (النور: من الآية 31)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها“.(مسلم).
إن عيدكم هذا، يوم عظيم، وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام؛ تعلن النتائج وتوزع الجوائز، في هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا في رمضان سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، في هذا اليوم يفرح المصلون، ويندم الكسالى النائمون واللاهون العابثون اللاعبون.إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه“.
سؤال يكرر نفسه .. العيد فرحة فمتي نفرح بالعيد ؟
أيها الأحبة الفائزون نفرح بالعيد عندما يكون عيدنا .. تعاطف وتراحم: لأن عماد العيد التعاطف والتراحم والحنان، والتآخي والبذل والسخاء، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” مسلم.
** أيها الأحبة نفرح بالعيد عندما يكون عيدنا صلة لأرحامنا: فصلة الأرحام دليل على كمال الإيمان، وبسطة في الرزق والعمر، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” البخاري، وهذه الصلة عبادة جليلة، فما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرًا من خطوة إلى ذي رحم، وثوابها معجل في الدنيا ونعيم في الآخرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم :” لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعُ اللهَ فِيهِ أَعْجَلُ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ, وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ” السلسلة الصحيحة”، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ”(محمد/22).
أيها الأحبة الفائزون :”نفرح بالعيد عندما نكون قد أصلحنا ذات بيننا وها هي أيام العيد مناسبة لإصلاح ذات البين : قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: “إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ”(أبو داود). أصلح ما بينك وبين الله بالتوبة النصوح، وبالطاعة التامة، وبالتقرب إليه بنوافل العبادات وصالح الأعمال، وأصلح ما بينك وبين الآخرين بالمسامحة ، أوالاعتذار، أو أداء ما قصرت في أداءه، ثم أصلح بين المؤمنين :”فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”( الأنفال/1). العيد فرصة لإصلاح العلاقات الاجتماعية، بين الزوج وزوجته، وبين الجار وجاره، وبين كل طوائف وشرائح المجتمع، لتعم السعادة أرجاء مصرنا الحبيبة, وأمتنا الإسلامية.
أحبابي يا من تحتفلون بعيد الفطر السعيد احرصوا على الطاعات احرصوا على إدخال السرور على قلوب أهليكم “الوالدين والزوجات والأولاد والأقارب”، احرصوا على صلة أرحامكم، قال صلي الله عليه وسلم : “من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه”(البخاري ومسلم). ، احرصوا على التكافل الاجتماعي مع الفقراء واليتامى والأرامل.فالعيد فرصة طيبة لتحسين العلاقات وإصلاح ذات البين، بين المتهاجرين المتدابرين، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، حتى يكون لنا فرحة في الأرض وفرحة في السماء. قال صلى الله عليه وسلم: “لا يحق لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”(مسلم).، فما لهذا سُنت الأعياد في الإسلام.
والسؤالُ الذي يطرح نفسَه في ساحةِ العيد بالذات: القلوب المتنافرة أمَا آنَ لها أن تتصافَح؟! هل ما زالتْ مصرَّة على معاندتها للفِطَر السويَّة؟! هل ما زال الكِبر يُشعِل فتيلَ حِقْدها؟! ألاَ يمكن أن ينجحَ العيد في أن يُعيدَ الألفة لقلوب طال شقاقُها؟!إلى متى هؤلاء يُصمُّون آذانهم عن قول رسول الهُدَى – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “هَجْرُ المسلِم سَنةً كسَفْك دمِه”، وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “تُعرَض الأعمال في كلِّ اثنين وخميس، فيَغفر الله لكلِّ امرئ لا يُشرِك بالله شيئًا، إلاَّ امرأً كانتْ بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اترُكوا هذَيْن حتى يصطلحَا“( (مسلم).
وإن لم يُفلِح العيد في تليين صلابةِ هذه القلوب، فوعيدُ الله تعالى – غير بعيد حين قال في كتابه الكريم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ “(محمد/22-23). وقوم أصابتهم لعنةُ الله – تعالى – في أنفسهم، وعاشتْ معهم في حياتهم أنَّى يجدون طعمَ الراحة والاستقرار؟!
أيها الفائزون: نفرح بالعيد عندما يرسم عيدنا على الشفاه معاني الحب ويكتب في حياة المسلمين حياة من الإخاء الصادق، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ” (الْبُخَارِيّ).
أخوة الإيمان والإسلام:
انصروا الله ينصركم واستغفروه يغفر لكم واذكروه يذكركم ..وقوموا إلي رحالكم يرحمكم الله .
مقالك جيد جدا